-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
تركز التغطية الإعلامية الغربية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر على ربط المسلم والإسلام بالتطرف والإرهاب والعمليات الإرهابية ومعاداة الغرب، وكأن هذه المصطلحات مترادفة ومتناوبة في الدلالة على شيء واحد حتى أصبح الإسلام هو المدان وليس الإرهاب. وعلى النقيض من ذلك، لم تسقط الأديان الأخرى كالمسيحية واليهودية فريسة لهذا النوع من التصوير الإعلامي السلبي من قبل هذه الثلة من الإعلاميين المتطرفين رغم ارتباط حقبة من تاريخ أتباعها بالعنف. لقد أدى هذا التشويه الإعلامي المتكرر لصورة الإسلام في أجهزة الإعلام الغربية لخلق بيئة من التعصب ضد الإسلام في الغرب. فقد وجد استطلاع للرأي أجرته «الواشنطن بوست» أن نصف الأمريكان تقريبا (46 بالمائة) لديهم نظرة سلبية عن الإسلام، وأن 33 بالمائة منهم يرى أن الإسلام يحرض على العنف. بل ورأت أغلبية منهم (58 بالمائة) أن عدد المتطرفين المسلمين يفوق بكثير أعدادهم في الديانات الأخرى. وهذه النتائج لا تعكس واقع الإسلام أو الأغلبية الساحقة من المسلمين الذين يعيشون ضحية لهذا النوع من الإعلام المتطرف. فبدلا من محاولة التعريف بحقيقة الإسلام وقيمه ومبادئه السمحة ينشغل الإعلام الغربي بربط الأعمال الإرهابية بالإسلام، وترويج الحرب على الإرهاب على أنها تصادم بين الأديان، وطرح أسئلة سطحية كسؤال «لماذا يكرهوننا؟» الغرض منها تضليل الرأي العام الغربي وتعميق جهله وسوء فهمه للإسلام. فلا غرابة إذن أن يشهد المجتمع الغربي ارتفاعا في حالات التمييز العنصري ضد الجاليات الإسلامية حيث تخرب مساجدهم من حين لآخر، ويميّز ضدهم في الوظائف والمطارات، ويعاني أبناؤهم من العنصرية في المدارس العامة. والأمر الذي يدعو للدهشة والاستغراب هو قلة المساحة الإعلامية المتاحة للعلماء والنشطاء المسلمين للتصدي للفكر المتطرف والإرهاب، وتصحيح الأفكار المزيفة عن الإسلام، وتبديد المخاوف الغربية من الجاليات الإسلامية. ففي الوقت الذي ينتقد الغرب صمت الجاليات الإسلامية بعلمائها ومثقفيها على الإرهاب يتجاهل الإعلام الغربي الفتاوى والبيانات الصادرة عنهم ويستبدلها بمقالات وتقارير أدعياء الخبرة في الشؤون الإسلامية ممن يفتقرون حقيقة إلى الثقافه والمعرفة، ويحملون على عاتقهم مهمة التنظير لما يسمى بـ «الإرهاب الإسلامي».
كما يمارس الإعلام الغربي مبدأ الانتقائية والاختزال ضد الأصوات الإسلامية. فعندما قامت مجموعة صغيرة من الأشخاص في أمريكا ممن يصفون أنفسهم بـ «المسلمين العلمانيين» ممن ينادون بإصلاح الإسلام كي يستوعب القيم الغربية بعقد «مؤتمر الإسلام العلماني» بمدينة سانت بيترزبورغ، بولاية فلوريدا الأمريكية في مارس الماضي، خصصت العديد من أبرز وسائل الإعلام الأمريكية وخاصة تلك البرامج التي تعبر عن وجهة نظر المحافظين الجدد مساحات واسعة لتغطية هذا الحدث، بينما تكافح المنظمات الإسلامية كمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) لتحظى بمساحة إعلامية لتعبر فيه عن وجهة نظر الأغلبية العظمى من المسلمين في أمريكا بل والعالم. والسبب في ذلك هو أن هذه المجموعة الصغيرة تعكس الرؤية الغربية للإسلام بأنه دين متطرف يضطهد المرأة وينتهك حقوق الإنسان يتعين إصلاحه وفصله عن الدولة وتخليصه اتباعه من حكم الشريعة الإسلامية.

وما هذا الانتقاء والاختزال الذي تمارسه أجهزة الإعلام الغربي إلا محاولة من الحكومات الغربية والمحافظين الجدد لفرض التاريخ والفلسفة الغربية على الجاليات الإسلامية في الغرب، بل والعالم الإسلامي، والترويج لإسلام جديد مشبع بالقيم الغربية. ويبدو أن الغرب تعذر عليه إدراك أن هذا التطرف الإعلامي يعمل كباعث قوي يحمل المسلمين على التمسك بالقيم والمبادئ الإسلامية. فالحكمة تقتضي أن تساهم أجهزة الإعلام الغربي في تضييق الفجوة بين الجاليات الإسلامية والمجتمع الغربي، وبذل الجهد لبناء الجسور، وتعزيز الفهم والتعاطف المتبادل، والتقرب للممثلين الحقيقيين للجاليات الإسلامية وإفساح المجال لهم لتبديد الأفكار الخاطئة عن الإسلام.
afansary@yahoo.com